حتى نهاية العقد الأخير من القرن التاسع عشر كان العالم الفيزيائي يمكن أن يفسر طبقا لمبادئ الميكانيكا الكلاسيكية ( أو النيوتونية - إشارة إلى إسحاق نيوتن )، ولكن بنهاية القرن التاسع عشر بدأت تنهار نظريات فيزياء الحياة اليومية وتظهر نظريات النسبية وميكانيكا الكم الذين طورا وتم العمل بهم، جاءت النسبية أولا ووصفت طبيعة الأشياء الهائلة والسريعة جدا، وبعد ذلك جاءت ميكانيكا الكم في عشرينيات القرن العشرون لتصف طبيعة الأشياء الصغيرة جدا.
لاتوجد واحدة من هذه النظريات تزودنا بوصف للعالم بشكل يسير وسهل، منذ تناقضها مع تنبؤات الميكانيكا التقليدية المألوفة في الأنظمة التي طورت، وعلى الرغم من هذا كلتا النظريتين تستخدم النتائج التقليدية عندما تقدم حلولا للعالم اليومي. فمثلا لفهم فيزياء أشباه الموصلات على مستوى ذري يجب أن نبدأ عند رأي ميكانيكا الكم، عندما تتعامل مع أشياء صغيرة جدا ( إلكترونات، ذرات، الخ).
فإذا كانت فكرتك عن الذرة أنها إلكترونات تدور حول النواة، فأنت تقريبا 70 سنة بعيد عن التاريخ، وإن الأوان أن تفتح عيونك إلى العالم الحديث لميكانيكا الكم!
الصورة توضح أين تجد الإلكترون في ذرّة هيدروجين ( النّواة في مركز كل تخطيط ).
وتعرف ميكانيكا الكم بأنها هي دراسة المادة والإشعاع على المستوى الذري.
تطور ميكانيكا الكم
في بداية القرن العشرون كان لبعض التجارب نتائج لا يمكن أن توضحها الفيزياء الكلاسيكية، فعلى سبيل المثال كان المشهور أن الإلكترونات تدور حول نواة الذرة، إذا فكروا في هذا الأسلوب فهي تشبه الكواكب التي تدور حول الشمس، الفيزياء الكلاسيكية تنبأت بأن الإلكترونات تتلولب وتصطدم بالنواة في جزء من الثانية. من الواضح بأن هذا لا يحدث، وذلك تنبؤ خاطئ، ومع تطور التّجارب والتجارب الأخرى والتي لا تفسرها الفيزياء الكلاسيكية جعل العلماء يبحثون عن شيء ما جديد ليوضح ويفسر العلم على المستوى الذري.
ولكن هذا لايعني ان الفيزياء الكلاسيكية خاطئة، فالفيزياء الكلاسيكية هي نظرية منقوصة وليست خاطئة، لكنها تكون منقوصة بشكل كبير عندما يتم التعامل مع الوحدات الصغيرة ( حجم ذري، حيث تستعمل ميكانيكا الكم ) أو الوحدات السريعة ( قرب سرعة الضوء، حيث تتولاها النسبية). للأشياء اليومية التي هي أكبر بكثير من الذرات والأبطأ كثيرا من سرعة الضوء تعمل الفيزياء الكلاسيكية بشكل ممتاز ويكون من السهل استعمالها بدلا من ميكانيكا الكم أو النسبية ( الذين يتطلبان معلومات حسابية شاملة ومعقدة).
أهمية ميكانيكا الكم
إن التالي يبين الأشياء الأكثر أهمية التي يمكن لميكانيكا الكم أن تصفها بينما لا يمكن للفيزياء الكلاسيكية أن تفسرها:-
انفصال الطّاقة
إذا نظرت إلى طيف الضوء التي تنبعث من ذرات نشطة (مثل الضوء الأصفر البرتقالي من أضواء الصوديوم المستخدمة في الشوارع أو الضوء الأبيض المائل للزرقة من مصابيح الزئبق ) ستلاحظ بأن إنها مكونة من خطوط فردية من الألوان المختلفة. هذه الخطوط تمثّل مستويات الطّاقة المنفصلة للإلكترونات في تلك الذرات المثارة. عندما يشحن الإلكترون بطاقة عالية يتحرك إلى أسفل مستواه ، الذرة تبعث فوتون الضوء الذي يطابق تلك الطاقة للفرق بين ذلك المستويين ( حماية الطّاقة ). كلما زاد فرق الطّاقة، سيزداد نشاط الفوتون ، ويقترب لونه إلى نهاية الطيف عند اللون البنفسجي.
إذا كان الإلكترون غير مقيد للانفصال عبر مستويات الطاقة، فإن الطيف من ذرة مثارة سيكون استمرار لانتشار الألوان من الأحمر إلى البنفسجي بدون خطوط فردية.
مفهوم مستويات الطّاقة المنفصلة يمكن أن تعرض بثلاث طرق للمصباح، 40/ 75/ 115 واط يمكن أن فقط تشع ضوء تلك الواط، وعندما تغير في الواط من وضعه إلى ما يليه، ستقفز القوة فورا إلى الوضع الجديد بدلا من التزايد بشكل تدريجي.
في الحقيقة أن الإلكترونات يمكن أن توجد فقط في مستويات الطاقة المنفصلة التي تمنعها من التّلولب للنّواة، كما تتوقع الفيزياء الكلاسيكية. وإن كم الطّاقة بالإضافة مع بعض الخواص الذرية الأخرى التي كوممت هي التي تعطي ميكانيكا الكم اسمه.
الثنائية (موجي-جسيمي) للضوء والمادة
في 1690 فسر كرسيان هايغنس أن الضوء مكون من موجات، ولكن في 1704 فسر إسحاق نيوتن بأن الضوء مكون من جسيمات صغيرة جدا. التجارب دعمت كل منهما. على أية حال، لا نظرية منهم يمكن أن توضح كل الظواهر المربوطة بالضوء، لذلك بدء العلماء يفكرون بالضوء بكلا الوضعين جسيم وموجة.
في عام 1923 لويس دي بروجلي افترض بأن مادة الجسيم يمكن أن يكون لها نفس خواص الموجات، وفي 1927 عرضت ( من قبل دافيسسون وجيرمير ) أن الإلكترونات يمكن أن تتصرف مثل الأمواج.
كيف يمكن لشيء أن يكون جسيم وموجة في نفس الوقت؟ إن ذلك خاطئ أن نفكر بالضوء كفيض من الجسيمات التي تتحرك لأعلى وأسفل بطريقة الموجات.
في الحقيقة، الضوء والمادة موجدان كجسيمات، ما يتصرف مثل الموجة هو احتمالية اين سيكون ذلك الجسيم.السبب أن الضوء يظهر أحيانا بكونه موجة بسبب أننا نلاحظ تراكم العديد من جسيمات الضوء وزعت على احتمالات حيث يتواجد كل جسيم.
على سبيل المثال، لنفترض أن لدينا آلة رمي النبال وهناك احتمال 5% برمي داخل نقطة الهدف و95% لإصابة الحلقة الخارجية ولا يوجد فرصة لضرب أي مكان آخر على رقعة النبال. لنفترض الآن أننا تركنا الآلة لترمي 100 نبلة وتركنا النبال المائة على لوحة الرمي، يمكنا أن نرى كل نبلة منفردة (لذا نعرف انهم طبيعتهم مثل الجسيم ) لكننا يمكن أن نرى نموذج في لوحة الرمي من حلقة كبيرة تحيط عنقود صغير في المنتصف. هذا النموذج هو تراكم النبال الفردية على احتمالات حيث تتواجد كل نبلة قد هبطت، وتمثل حركات الموجات سلوك النبال.
نفق الكم
هذا واحد من أكبر الصفات المهمة المستخلصة من ميكانيكا الكم؛ بدونه لن تجد رقائق الحواسيب، وأجهزة الكمبيوتر الشخصية لا يسعها الغرفة.
كما ذكر سابقا أن الموجة تحدد باحتمالية تواجد الجسيم، عندما تصادف الموجة المحتملة مانع طاقة فإن أغلب الموجة ستنعكس مرة أخرى، لكن قسم صغير منها سيتسرب خلال المانع نفسه، إذا كان المانع صغيرا بما فيه الكفاية فإن الموجة التي تسربت خلال المانع ستمر على الجانب الآخر منه، مع آنه وحتى الجسيم الذي لا يملك طاقة كافية للمرور داخل المانع، هناك ما زال احتمال صغير وهو إمكانية أن يحفر نفق خلاله.
لنفترض كرة مطاطية ترميها على حائط، تعرف بأن طاقتك لن يكفي لان تمر الكرة خلال الحائط، لذلك تتوقع دائما أن ترد إليك مرة أخرى، ميكانيكا الكم تقول بأن هناك احتمال صغير ان الكرة يمكنها أن تتجه خلال الحائط ( بدون تخريب الحائط ) ويستمر طيرانها على الجانب الآخر! بشيء ما كبير مثل الكرة المطاط، مع أن ذلك الاحتمال ضعيف جدا أن ترمي الكرة لبلايين من السنين ولن تراها تذهب خلال الحائط. لكن بشيء ما صغير جدا مثل إلكترون فإنه أمر يحدث يوميا.
عند الجانب الآخر من النفق عندما يصادف جسيم نقصا في الطّاقة هناك احتمالية صغيرة انه سينعكس. بكلمة أخرى، إذا أنت كنت تدحرج قطعة رخام على منضدة مستوية، هناك صدفة صغيرة عند وصول الرخام إلى الحافة أن ترتد إليك القطعة بدلا من سقوطها إلى الأرض! ثانية، لشيء ما كبير مثل رخام لن ترى شيء من هذا يحدث، لكن الفوتونات ( الجسيمات المعدومة الكتلة للضوء ) إنه أمر حقيقي.
مبدأ الشك لهيسينبيرج (Heisenberg's uncertainty principle)
تعود الناس على إستخدام أدوات قياس في العالم الميكروسكوبي حولهم، أحد يسحب شريط المقياس ويصمم طول منضدة. وأخر يستخدم راداره في سيارته ليعرف جهة السفر، وحالما تصبح المعلومات التي يحصلون عليها كما يريدون لا يقلقوا من أن سواء المقياس نفسه قد غير ما كانوا يقيسون، ومع ذلك، ماذا سيكون الإحساس عند تصميم منضدة طولها 80 سنتيمتر إذا كانت عملية القياس قد غيرت طوله!
على الميزان الذري لميكانيكا الكم يصبح القياس عملية دقيقة جدا، دعنا نقول انك تريد معرفة أين يوجد الكترون ما وأين يذهب ( ذلك الحشد لديه شعور أن أي إلكترون يمسك سيذهب أسرع من السرعة القصوى المتاحة ). ماذا أنت فاعل؟ تحصل على مكبر ممتاز ذا قدرة عالية وتبحث عنه؟ هذا الفعل ذاته يعتمد على الضوء، الذي هو من الفوتونات، وهذه الفوتونات يمكن أن يأخذ زخم كافي بحيث أنها إذا ضربت الإلكترون سوف يغير طريقه! إنه مثل كرة البليارد المنحدرة عبر منضدة البليارد ومحاولة أن تكتشف أين تمر وثبة الكرة رقم 8 بعيد عنها؛ بجعل المقياس بالكرة رقم 8 تكون بالتأكيد قد عدلت طريق كرة عصا البليارد، ومن الممكن أن تكتشف أين كانت كرة البليارد، وألان ليس لديك فكرة أين يمكن أن تذهب ( لأنك كنت تقيس بالكرة رقم 8 بدلا من النظر إلى المنضدة).
ويرنار هيسينبيرج كان أول أن أدرك بأن بعض أزواج المقاييس لديها اضطراب جوهري يربط بينهم، على سبيل المثال، إذا كان لديك فكرة جيدة جدا أين يقع شيء ما، إذن إلى درجة معينة، يجب أن يكون لديك فكرة قليلة ما عن سرعة هذا الشيء في التحرك أو في أي اتجاه يتجه. نحن لا نلاحظ هذا في الحياة اليومية لأن أي اضطراب ملازم في مبدأ هيسينبيرج جيد ضمن الدقة المقبولة التي نرغبها. كمثال، لربما ترى سيارة واقفة وتعتقد انك تعرف بالضبط أين هي وبأي سرعة تتحرك، لكن حقا هل تعرف تلك الأشياء بالضبط؟ إذا كنت تقيس موقع السيارة بدقة بلايين البلايين السنتيمترات، ستحاول أن تقيس مواقع الذرات الفردية التي تتكون منها السيارة، وتلك الذرات ستهتز فقط لأن درجة حرارة السيارة كانت فوق الصفر المطلق!
مبدأ الاضطراب لهيسينبيرج يبحر بالكامل تجاه الفيزياء الكلاسيكية. ومع ذلك، أساس العلم ذاته هو المقدرة على قياس الأشياء بدقة، والآن ميكانيكا الكم تقول بأنه محال أن تصبح تلك المقاييس دقيقة! لكن مبدأ اضطراب هيسينبيرج هو حقيقة الطّبيعة، وهو أنه سيكون من المستحيل أن تبني أداة قياس التي يمكنها من الإلمام بها.
دوران الجسيم
في عام 1922 أوتو ستيرن و والثر جيرلاتش اجروا تجربة التي كانت نتائجها لا يمكن أن تفسرها الفيزياء التقليدية. تجربتهم أشارت أن تلك الذرات الذرية تمتلك زخم زاوي جوهري، أو دورة، وبأن هذه الدورة ثابتة القيمة ( ذلك يمكن أن لديها بعض القيم المنفصلة معينة ). الدورة هي بالكامل من صفات ميكانيكا الكم للمادة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفسرها بطريقة الفيزياء الكلاسيكية.
من المهم أن ندرك بأن دورة الجسيم الذري ليست مقياس لكيفية دورانها! في الحقيقة، إنه محال أن نقول أن شيء ما صغير مثل إلكترون يدور ! كلمة دورة هي فقط طريق مناسب عند التحدث عن الزخم الزاوي الجوهري لجسيم.
صور الرنين المغناطيسي ( MRI ) تستخدم حقيقة أنه تحت ظروف معينة تكون دورة نوى الهيدروجين يمكن أن تغير من حالة إلى الأخرى، وبقياس موقع هذا التغير، تتشكل الصورة أين توجد ذرات الهيدروجين في الجسم ( بشكل رئيسي كجزء من الماء ). حيث أن الأورام تميل أن يكون لديها تركيز ماء مختلف عن النسيج المحيط، فسوف تظهر جليا في مثل هذه الصورة.
ما هي معادلة شروينجر؟
كل جسيم كمي يتميز بوظيفة موجية، في عام 1925 إروين شروينجر طور المعادلة التّفاضلية التي تصف تطور عمل تلك الموجة. باستعمال معادلة شروينجر استطاع العلماء أن يجدوا وظيفة الموجة التي تحل مشكلة دقيقة في ميكانيكا الكم. لسوء الحظ، إنه عادة من المستحيل أن نجد حل دقيق لهذه المعادلة، لذلك تستخدم بعض الفرضيات المعينة تستعمل للوصول إلى جواب تقريبي لمشكلة معينة.
الجسيمات والامواج
باستخدام ميزان ميكروسكوبي تعودونا على نوعين مشهورين هما ظاهرة الأمواج والجسيمات. باختصار، تحديد موقع ظاهرة الجسيمات التي تنقل كلتا الكتلة والطّاقة عند تحركها، بينما الأمواج لا تحدد موقع الظاهرة ( حيث هو انتشار خارجي في الفضاء ) التي تحمل طاقة لكن لا كتلة لها عند تحركها. أشياء طبيعية يمكن تشبيهها لظاهرة الجسيم مثل كرة الكريكت مثلا )، بينما التموجات على بحيرة هي أمواج ( ملاحظة انه ليس هناك نقل في الماء ومن هنا لا يوجد نقل في الكتلة).
في ميكانيكا الكم هذه الميزة المحكمة مبهمة، الكينونة التي عادة ما نفكر بها كجسيمات (مثل الإلكترونات ) يمكن أن تتصرف مثل الأمواج في بعض الحالات، بينما الكينونة التي عادة ما نفكر بها كأمواج (مثل إشعاع كهرومغناطيسي وضوء ) يمكن أن تتصرف مثل الجسيمات، هكذا إلكترونات يمكن أن تخلق موجة مثل الانحراف خلال المرور من الشقوق الضيقة، مثلما تفعل أمواج الماء عندما تمر خلال المدخل إلى الميناء، بالمقابل التأثيرالكهروضوئي (مثل امتصاص الضوء بالإلكترونات في سطح صلب ) يمكن فقط أن يفسر إذا كان الضوء لديه طبيعة جزيئيه ( تقود إلى مفهوم الفوتونات).
مثل هذه الأفكار قادت ديبروجلي في النهاية إلى أن كل الكينونات لديها كلتا الوضعية الموجة والجسيم، وتلك الاختلاف في الوضعية يتواجد طبقا لنوع العملية التي يخضع لها أو يتأثر بها. هذا اصبح معروف كمبدأ ثنائية جسيم الموجة، علاوة على ذلك ديبروجلي كان قادر على أن يعلّق زخم الجسيم إلى طول الموجة (مثل المسافة بين القمة والقمة التي تليها ) للموجة المرسلة. إن علاقة ديبروجلي تخبرنا أنlambda/p=h)) حيثP” ” زخم الجسيم وLambda”” طول موجته وh” ” ثابت بلانك. لهذا فإنه من المحتمل أن تحسب كم طول الموجة لجسيم من خلال معرفة زخمها.
هذا كان مهم لأن ظاهرة الموجة مثل الانحراف، لان تكون مهمة عامة فقط عندما تتفاعل الأمواج بأشياء ذا حجم مقارن إلى طول موجتها، لحسن حظ النظرية، طول موجة الأشياء اليومية تتحرك بسرعات يومية عادية وتظهر صغيرة بشكل لا يصدق. صغير جدا في الحقيقة الذي لا تأثيرات ميكانيكية كمية يجب أن تكون ملحوظة في المستوية الميكروسكوبية، يؤكد ذلك الميكانيكا التقليدية وتكون مقبولة تماما للتطبيقات اليومية، بالمقابل أشياء صغيرة مثل الإلكترونات عندها أطوال موجة مقارنة إلى التّراكيب الذرية المجهرية تصادف أجسام صلبة، هذا وصف ميكانيكي كمي، التي تتضمن ظاهرة موجتهم هو أساسي لتفسيرهم.
هذا الجزء شرح كيفية استعمال أفكار ميكانيكا الكم عندما تتعامل مع الإلكترونات في جسيمات صلبة.