بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص:
يتناول هذا البحث موضوع تصنيف الكائنات الحية (نباتات وحيوانات)، فيعرض في البداية مفاهيم النظم التصنيفية الوضعية وسلبياتها التي تمجد الطبيعة ولا تعترف بقدرة الخالق وتصنف الإنسان مع الحيوان.
ثم يقترح التصورات والمبادئ الأولية لنظام تصنيف إسلامي بديل مستوحى من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة معتمدا على المعايير التي تذكر الإنسان بحقائق الدنيا والدين.
كما يبين البحث التصنيف القرآني للإنسان والمكانة المميزة التي تميزه عن بقية الحيوانات.
ننبه أن هذا البحث لا يشكل سوى التصورات والمبادئ الأولية ولا بد من تضافر جهود العلماء المختصين في تصنيف الكائنات الحية لوضع قواعد هذا التصنيف الإسلامي وتوحيد المصطلحات من خلال مناقشة المقترحات وتبادل الأفكار في ملتقيات وندوات علمية.
1- مقدمـــة
يُعتمد في الكثير من دول العالم الإسلامي في وضع الكتب المدرسية العلمية، على كتب غربية، وقد يتبنى بعض المؤلفين طرق ونظم كتاب الغرب ووجهات نظرهم تاركين في ذلك عمدا أو بغير عمد تبيان ما يحتويه القرآن الكريم والسنة النبوية من إشارات ومفاهيم علمية وخصوصا في بعض المواضيع الحساسة التي تتعلق بخلق الإنسان وخلق الكون واختراعات الهندسة الوراثية والتلقيح الاصطناعي الخ.
إنه من المؤسف أن يصنف الإنسان ضمن فصيلة الحيوانات وفقا لنظرية داروين المعروفة بنظرية التطور أو النشوء والارتقاء، ومن المؤسف أن لا يعلم الطالب أن المسلمين كانوا – بفضل القرآن والسنة - روادا في أساليبهم العلمية، وأن الغرب لم يستطع أن يصل إلي القمة التي يتربع عليها اليوم إلا بعد أن سار على درب هؤلاء الرواد المسلمين.
إن طالب العلم اليوم ينظر إلى الحقائق العلمية والأمور الدينية باعتبارها أشياء متناقضة يعارض كل منها الآخر، فهو في حاجة لإدراك طبيعة العلاقة بين دينه الذي ينتمي إليه وبين العلم الحديث الذي يحتل مساحة واسعة من البرامج التعليمية و حتى ممارساته اليومية، كما أنه في حاجة إلى معرفة المواقف المتبادلة بين القرآن الكريم والسنة النبوية من جهة وبين ما وصل إليه العقل البشري من اكتشافات واختراعات من جهة أخرى، وهو ما اتفق على تسميته الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وذلك من أجل أن يزداد قناعة وإيمانا وأصالة.
نحاول في هذا البحث أن نبين أن القرآن الكريم والسنة النبوية يحتويان على إشارات علمية لأسس ومبادئ تصنيف الكائنات الحية عامة والنباتات والحيوانات خاصة ونقترح في الأخير نظام تصنيف إسلامي يتبنى أسس العقيدة الإسلامية ويصحح بعض المفاهيم العلمانية التي ترتكز عليها نظم التصنيف العصرية.
2- إشكالية الموضوع
إنه من المؤسف أن يوضع الإنسان ضمن فصيلة الحيوانات وفقا لنظرية داروين المعروفة بنظرية التطور أو النشوء والارتقاء، ومن المؤسف أن تسمى فصيلة نباتية بالفصيلة الصليبية لأن بتلات أزهارها الأربع على شكل صليب ؟
كما أنه من المِؤسف أن لا يفكر علماء التصنيف المسلمين في وضع نظم بديلة أو على الأقل تصحيح هذه المفاهيم الغريبة في الكتب العلمية وفي مقررات التعليم؟
ثم لماذا يفرض علينا كتابة جميع الأسماء العلمية لجميع الكائنات الحية باللغة اللآتينبة الميتة؟
إن الدافع الذي دفعنا في التفكير في الموضوع ومحاولة اقتراح البديل هو قول الله تعالى في كتابه العزيز :
- « كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " (سورة ص 29)
- « ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء » (النحل 89)
- « ما فرطنا في الكتاب من شيء » (الأنعام 38).
و من الهدي النبوي هناك حديث صحيح للنبي صلى الله عليه وسلم يصنف فيه بعض النباتات تصنيفا جميلا إعتمادا على أسس تصنيفية علمية : الطعم والرائحة.
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:
َ« مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ وَالَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ ولا رِيحَ لَهَا» (البخاري - 6 /235 ، مسلم – 2/194).
3- لمحة تاريخية لتصنيف الكائنات الحية
يرجع بداية التصنيف، في اعتقاد أهل الأديان السماوية، إلى نزول آدم عليه السلام إلى الأرض التي تهيأت لاستقباله وتعليمه من قبل الله تعالى الأسماء كلها, قال تعالى :" وعلم ءادم الأسماء كلها …" (البقرة 31)، ثم علم آدم أبناءه مما علمه الله سبحانه وتعالى.
ونظرا للأعداد الهائلة من النباتات والحيوانات والتشابه الكبير بينها، أصبحت الحاجة ماسة إلى تصنيف الكائنات الحية ووضع نظم تسهل عملية الدارس والبحث في الموضوع :
1- ظهر أول النظم التصنيفية في عهد أرسطو إلى نهاية القرن وكان يتكون من مملكتين الصفة المميزة بينهما هي الحركة والبحث عن الغذاء:
- المملكة النباتية : تضم كل النباتات الأرضية والطحالب والفطريات
- المملكة الحيوانية : تضم كل الحيوانات
2- في عام 1860م ظهر تصنيف جديد ثلاثي اقترحه العالمان Hogg و Haeckel حيث أضافا مملكة ثالثة هي مملكة بروتستا (Protista) وتضم البكتيريا والطحالب والفطريات.
3- في عام 1938م قسم العالم Copeland مملكة بروتستا إلى مملكتين، الأولى تسمى مملكة مونيرا (Monera) وتحتوي البكتيريا والطحالب الخضراء المزرقة وهي كائنات بدائية النواة، والثانية تسمى بروتستا (Protista) وتحتوي الكائنات البدائية حقيقية النواة مثل الطحالب والفطريات.
4- في عام 1969م وبسبب اختلاف طريقة التغذية بين الطحالب والفطريات، اقترح العالم Wittaker إضافة مملكة خامسة هي مملكة الفطريات.
4- الوحدات التصنيفية
يعتبر العالم السويدي ليني (Carl Von Linné) الذي عاش ما بين 1707 و 1778 م أول من وضع أسس التصنيف العلمي للكائنات الحية من خلال تعريف النوع واقتراحه لنظام التسمية الثنائية. وقبله كان يعرف كل كائن حي بمفردات عديدة تلخص أوصافه.
1- مفهوم النوع :
هو أصغر وحدة في نظام التقسيم وتكون أفراده متشابهة تركيبيا، وتتزاوج فيما بينها بسهولة دون فقدان خصوبة ذريتها وتكون لها نفس الأسلاف وتحتفظ بصفاتها المميزة في الطبيعة إلى الأجيال المقبلة.
2- التسمية الثنائية أو الاسم العلمي ويتكون من كلمتين لاتنيتين:
- الكلمة الأولى تشير إلى اسم الجنس ويكتب إتفاقا بحرف كبير (Majuscule)
- والثانية تدل على النوع ويكتب إتفاقا بحرف صغير (Minuscule)،
- يكون اسم الجنس اسما مكافئا لاسم شائع مثل (Rosa, Acer, Pinus).
- أما اسم النوع فهو صفة محدودة تصف الحيوان أو النبات مثل (alba): أبيض، (nigra) : أسود، (rubra) : أحمر، (communis) شائع، أو المكان الأصلي للحيوان أو للنبات مثل: (arabica) عربي، (algeriensis) جزائري، (halepensis) : حلبي أو ينسب إلى شخصية مرموقة….الخ.
من الأمثلة :
- الجمل Camelus dromedarius
- النحل َApis mellifica
- نخيل التمر Phoenix dactylifera
- الصنوبر الحلبي Pinus halepensis
- القمح الصلب Triticum durum
بعد العالم ليني، توالت الأبحاث والمساهمات لوضع الوحدات التصنيفية الأخرى:
تسمى مجموعة الأنواع ذات الصلة الوثيقة بالجنس (Genus)، ومجموعة الأجناس ذات القرابة الوثيقة بالفصيلة (Family)، وتكون مجموع الفصائل المتقاربة رتبة (Order) وتجمع الرتب في صف (Class) والصفوف تكون قسما (Division) وجميع الأقسام معا تكون المملكة (Kingdom) .
5- وحدات التصنيف القرأنية
5-1- جميع الكائنات الحية :
قال الله تعالى :
" سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون" (يـس 36).
في هذه الآية إشارة إلى عدة حقائق علمية:
- الحقيقة الأولى لم تعرف إلا حديثا وهي أن النبات ككائن حي يتكون من أزواج بمعنى ذكر وأنثى كما هو الحال في عالم الحيوان حيث كان سائدا أن النباتات أنثى فقط.
- الحقيقة الثانية أن عبارة "الأزواج كلها" تشير إلى كل الكائنات الحية نباتات وحيوانات.
- الحقيقة الثالثة الإشارة إلى طريقة تكاثر النبات بالإنبات "مما تنبت الأرض " وطريقة تكاثر الحيوانات بالتزاوج " من أنفسهم ".
- الحقيقة الرابعة تمثل الترتيب : فالنباتات وجدت على الأرض قبل الحيوانات بفترة طويلة.
- الحقيقة الرابعة في قوله تعالى "ومما لا يعلمون" وهي إشارة إلى طرق تكاثر أخرى تختلف عن طرق تكاثر النبات والحيوان، وقد ظهر في عصرنا هذا زراعة الأنسجة والإستنساخ وتبقى طرق تكاثر أخرى يعلمها الله.
5-2- المملكة النباتية والمملكة الحيوانية :
- الآية التي تشير للمملكة النباتية، قول الله تعالى :
"وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء" (الأنعام 99)
- الآية التي تشير للمملكة الحيوانية، قول الله تعالى :
" وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" (هود 6).
5-3- الأقسام النباتية والحيوانية :
يذكر القرآن ثلاثة أنواع من الأزواج النباتية :
- الزوج الكريم : وقد يشير إلى النباتات ذات القيمة الغذائية للإنسان والحيوان.
" أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كـل زوج كريم " (الشعــراء 7).
- الزوج البهيج : وقد يشير إلى النباتات التزيينية ذات قيمة جمالية.
" والأرض مددنها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج "(ق 7).
- أزواجا شتى (متفرقة): وقد تشير إلى بقية الأنواع النباتية.
" … وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى" (طه 53)
أما بالنسبة للحيوانات، وكذلك الإنسان بسبب اشتراكهما في الحركة، فإن القرآن يبين أنها مقسمة إلى أمم :
قال الله تعالى :
" وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" (الأنعام 38)
" قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " (هود 48)
5-4- الصفوف :
5-4-1- الصفوف الحيوانية :
أشار القرآن الكريم إلى عدة مجموعات حيوانية يمكن أن تشكل الصفوف وهي :
- صف الحشرات :
وقال تعالى : " فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تاكل منساته …" (سبأ 14).
- صف الطيور :
وقال تعالى : " وما من دابه في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم" (الأنعام 38)
- صف السمك :
قال تعالى : " فالتقمه الحوت وهو مليم " (الصافات 142).
- صف الحيوانات الزاحفة :
- صف الحيوانات ثنائية الأرجل :
- صف الحيوانات رباعية الأرجل :
قال تعالى :
"والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير" (النور45)
5-4-2- الصفوف النباتية :
النبات صنفان، صنف له ساق وهو الشجر وصنف ليس له ساق وهو النجم،
قال تعالى: " والنجم والشجر يسجدان " (الرحمن 6 ) منقولة