انعدام الثقة في النفس لدى الأطفال
عند الاطلاع على مشكلات الشباب ومخاوفهم وآمالهم وآلامهم نلاحظ أن هناك الكثير منهم يفتقدون إلى الثقة بالنفس، ويشعر الآباء والأمهات، والأخصائيون الاجتماعيون والتربويون في المدرسة بهذه المشكلة عند الأبناء حيث تقول هناء : " ابني عمره 7 أعوام وهو دائم الاعتماد على غيره في كل شئونه الخاصة سواء في المدرسة أو في النادي أو حتى في البيت، فهو لا يثق أنه يستطيع إنجاز شيء جيد، حتى لو في أبسط الأمور مثل عمل لوحة تلوين، أو حتى اللعب بأشكال الصلصال، وهذا يحز في قلبي جداً خاصة أنه ابني الأكبر".
الثقة في الجمال الشكلي
أما شادية فتقول: " ابنتي ذات العشرة أعوام ذكية واجتماعية بشكل كبير، كما أنها محبوبة للغاية لكنها كثيراً ما تسألني " هل أنا جميلة يا أمي؟" وعندما أؤكد لها أنها رائعة الجمال والخلق فتقول لي : " لكن الكل يقول إن أختي الصغرى أجمل مني لأن عينيها ذات لون جذاب" وللأسف أنا أحاول أن ألفت نظر كل من يعلق على هذا الأمر أمام ابنتي أن لون العيون ليس مقياساً لجمال الفتاة إنما خلقها ودينها وعلاقتها بربها، لكنهم يهدمون كل ما أقوم به".
وقد تستطيع الأخصائية الاجتماعية في المدارس الدولية أن تتقرب أكثر من الأطفال الذين يتوجهون لبعض السلوك العدواني لتتحدث معهم وتكتشف ما في أعماقهم من فقدان الثقة في الذات حيث تقول الأستاذة ماجدة حجازي من مدرسة الفاروق في الكويت: " غالباً ما تعود أسباب توجه الأطفال خاصة الذكور إلى التعامل العنيف مع زملائهم إلى فقدانهم الثقة في أنفسهم وتوجههم إلى العنف لتعويض ذلك، فمثلاُ نجد طفلاً لا يحصل على درجات عالية في صفوفه الدراسية، ويلقبه الجميع بأنه فاشل وسيئ وغير محبوب لا من والديه ولا من مدرسيه، فيصبح منبوذاً يستهزئ منه الأطفال من حوله، فيتجه إلى العنف لإثبات ذاته، لذلك كثيراً ما أنناشد الآباء والأمهات بضرورة التعامل السليم تربوياً مع الأطفال الذين لا يستطيعون الحصول على دراجات عالية بما لا يزعزع ثقتهم في أنفسهم وفي من حولهم".
القسوة تولد فقدان الثقة
ولتعامل الآباء والأمهات مع الأبناء دور في هذه المشكلة حيث يقول محمد سعيد: " اكتشفت مؤخراً أن تعاملي الخاطئ مع ابني سبب في فقدانه الثقة في نفسه وفيّ أيضاً، فأنا كنت أعتقد أن الشدة على الابن تخلق رجلاً يتحمل المسئولية، رغم تحذيرات زوجتي المستمرة ومحاولتها احتواء محمود، كنت دائماً أنعته ببعض الألفاظ القاسية مثل " الغبي – الفاشل - يكرهك الجميع إن لم تكن أفضل" مما جعله يصدق هذه الأمور فأصبح فعلا غبياً وفاشلاً ويشعر أن الجميع يكرهه دون محاولة منه أن يتصرف بشكل أفضل كما أردت أنا".
كذلك نجد سامح ناجي يقول: " كثرة توبيخ الأبناء والضغط عليهم للتوجه نحو بعض السلوكيات والتصرفات التي قد لا يستوعبها الطفل يسب ضرراً كبيراً ، خاصة عندما نعامل الأطفال على أنهم كباراً يفهمون كل شيء، وأعتقد أن سبب شكوى الآباء والأمهات من انعزال الأطفال وتفضيل الابتعاد عن أماكن التجمعات البشرية هو فقدان الثقة في إمكانيات الذات والكفاءة الشخصية فيكون الهروب من المجتمع هو الحل وهذا ما عانيت منه مع ابني الأوسط حيث كنت أقارنه دائماً باخته الكبرى وأخيه الأصغر".
وتضيف الخبيرة التربوية والنفسية د.سناء الشال: " قد يتسبب فقدان الثقة في الذات، ثم فقدان الثقة في المجتمع من حول الطفل إلى تخزين الكثير من المشاعر السلبية في عقله الباطن تتبلور مع الكبر، خاصة إن رافق ذلك بعض المواقف السلبية تجاهه، فيتولد لديه شعور بالسخط على الجميع ... والكارثة عندما يترجم إلى الرغبة في الانتقام، بل وقد يتوارث ذلك مع الأجيال فيربي هذا الأب – والذي كان طفلاً يوماً ما – أبناءه على القسوة وفقدان الثقة في الذات والمجتمع وتتوالى الأجيال بهذا الشكل السيئ".
فقدان الثقة وتحمل المسئولية
وعن هذه المشكلة النفسية تقول د. فاتن عمارة مؤلفة كتاب " الأخطار النفسية التي تواجه الأبناء": عندما نجد بعض أعراض فقدان الثقة في النفس عند الشباب لابد أن نعود إلى الوراء حيث مرحلة الطفولة وما تعرض له الشاب من خبرات مواتية، ذلك لأن الدراسات النفسية الحديثة قد أجمعت على أهمية مرحلة الطفولة وخبراتها في مرحلة الرشد والكبر، وأكدت أن هذه الخبرات تترك آثاراً باقية طوال حياة الإنسان، وأن جذور الشخصية أو بذورها إنما توضع في هذه المرحلة، ولا شك أن الطفل يتأثر بما يمر به من خبرات لأن عقله ما زال أيضاً غير ناضج، وما زالت شخصيته مرنة، سهلة التطويع والصقل والتشكيل، وهو شديد القابلية للإيحاء، ولذلك تترك خبرات الطفولة بصماتها وآثارها في أعماق الشخصية الإنسانية ، ولقد دل البحث والتجريب على بعض هذه الأسباب وراء فقدان الثقة:
-الحرمان من إشباع الـعاطفي والمادي ومن الدفء والحب والحنإن.
-حرمان حاجات الطفل المادية أو الجسموة,
-الصد والزجر والردع كلما أراد أن يعبر عن ذاته,
- الطفل المنبوذ الذي لا ترغب فيه الأسرة ـتشعره بعدم القبول أو أنه جاء زيادب عن حاجة الأسرة من الأبناء.
-حرمان الأسرة للفرد من التدريب على تحمل المسئوليات البسيطة.
-سب الطفل وتحقيره والتقليل من شأنه أو معايرته ومقارنته بمن حوله.
- الإكثار من فرض العقوبات على الطفل وخاصة العقاب البدني.
- إهمال الأسرة للطفل مما يولد لديه شعور بالنقص.
- عيوب جسديه أو شكلية لدى الطفل وعدم قدرة من حوله على بث ثقته في الرضا.
فقدان الثقة بين الإيجاب والسلب
ومن المظاهر السلوكية لفقدان الثقة بالنفس التردد والتذبذب؛ حيث يجد الطفل نفسه عندما يكبر صعوبة في الثبات على سلوك معين والاستمرار في اتجاه خاص، فتراه يقدم خطوة ويؤخر أخرى,أو يقبل ويحجم ويتراجع, ويجد صعوبة كبيرة في البت في الأمور وفى اتخاذ القرارات بنفسه دون مساعدة غيره، كذلك من يفتقد الشعور بالثقة تجده يميل إلى الحياء والخجل الزائد,كما يميل للعزلة و الانطواء.
ويؤدى فقدان الثقة بالنفس إلى شعور الشاب بالشك في نفسه وفى نوايا الناس نحوه, فهو يعتقد أن زملاءه أفضل منه في كل شيء, وأن حظه قليل من المواهب والقدرات والمزايا الاجتماعية والاقتصادية وغيرها, ومثل هذا الشاب كثير الاعتماد على غيره كالآباء والأمهات و الإخوة والمعلمين, بل كثيرا ما يعتمد على أصدقائه, وذلك لأنه يعتقد أنه أقل ذكاء وأسوأ حظا.
ولما كان مثل هذا الشاب يتوقع باستمرار الفشل والإحباط في كل مشاريعه, فإنه يتهرب من تحمل المسؤولية مهما كانت بسيطة, ويراها عبئا لا يحتمل تنوء به كواهله.
وقد يؤثر عليه هذا الوضع حين يتقدم لشغل وظيفة ما أو عندما يرشح للترقية في وظيفة ما، كما يجد صعوبة في اقتحام المواقف الجديدة، ويصعب عليه التكيف مع الخبرات الجديدة, كما يحدث عندما يدخل مدرسة جديدة أو يلتحق بالجامعة أول مرة أو ينقل إلى وظيفة جديدة, كما يلاحظ عليه أنه إنسان هياب يخشى المواقف ويعمل للأمور البسيطة حسابا وآلف حساب.
ومن الناحية النفسية قد يلجا فاقد الثقة في ذاته إلى أحد أساليب التعويض، وقد يكون هذا التعويض إيجابيا أو سلبيا، ومن مظاهر التعويض السلبية لكي يعوض شعوره بالنقص والضعف قد يمارس القوة والقسوة والعنف لكي يطغى ما يعتمل في نفسه من مشاعر النقص, وقد يبالغ في أساليب جذب الانتباه وذلك بأن يكثر من الإنفاق على أصدقائه حتى يلتفوا حوله, وقد يعجب بالشخصيات القوية ويسير في رحابها باستمرار حتى لو تميزت بالانحراف السلوكي, وقد يحرص على معاشرة من هم أقل منه اجتماعيا وعلميا واقتصاديا أو من هم أصغر منه في السن لكى لا يشعر بالنقص والدونية, ومثل هذا الشخص تؤثر فيه خبرات الفشل والإحباط أكثر مما تؤثر في غيره من أصحاب الشخصيات السوية.
ومن بين أساليب التعويض الإيجابية تكريس الجهد للتفوق في العلم وفي التحصيل أو التفاني في العمل والرقي فيه، أو النجاح في المشاريع الخيرية ورعاية الأيتام والمحتاجين.